عندما تظن أن عليك إصلاح الآخرين كي تُحَب
كتبت :مي محمد حمزة
هيا بنا اليوم نقوم برحلة في متاهة الاحتياج المُقنّع… ما بين الحب، والرغبة في الإثبات، وفقدان الذات.
عندما تخوض علاقات، تكون دائمًا الشخص الذي "يفهم"،
الذي "يحتوي"، الذي "يُصلح"،
الذي يبقى حتى حين لا يُطلَب منه البقاء.
عندما تدخل بعاطفةٍ صادقة، لكن الحب وحده لا يكفي، ويكون مشروطًا بلعب دورٍ لم يُطلب منك أن تؤديه.
المنقذ ليس دائمًا مضحيًا... أحيانًا يكون محاولة يائسة للاستحقاق.
أحيانًا لا تكون الدوافع عند "المنقذ" نقية تمامًا، ولا هو البطل النبيل الذي يُضحي ويُعطي بلا حساب.
بل قد يُصلِح الآخرين كي يُثبت لنفسه أنه يستحق أن يُحَب،
يعالج آلامهم كي يشعر بقيمته، ويتعلّق بأرواحٍ متعبة،
لأن هناك صوتًا داخليًا يهمس:
"إن أنقذته… سيبقى.
وإن منحته الأمان… سيحبني.
وإن صبرت… لن يرحل."
التحليل النفسي: من أين ينبع هذا الدور؟
في مرحلة الطفولة، ربما كان يصمت كثيرًا كي لا يُغضب أحدًا،
يبتسم رغم الألم، ويحاول دائمًا أن يكون كما يريده الآخرون.
فتنشأ بداخله قناعة خفية:
"عليّ أن أكون أفضل، كي أُحَب."
"عليّ أن أُعطي، كي أستحق البقاء."
تُعرَف هذه الحالة نفسيًا بـ "عقدة المنقذ" (Savior Complex)،
وهي ليست نابعة فقط من طيبة القلب،
بل من رغبة دفينة في أن تكون ضروريًا،
أن تشعر بأنك ذو قيمة من خلال حاجة الآخرين إليك.
"إن محاولة إنقاذ الآخرين دون وعي، قد تكون انعكاسًا لرغبتنا في إنقاذ أنفسنا."
— كارل يونغ
يرى "يونغ" أن كثيرًا من أفعالنا "النبيلة" هي إسقاطات غير واعية لما نفتقده بداخلنا.
فالرغبة في إنقاذ الآخر قد تكون صدى لجزء منك يصرخ طلبًا للإنقاذ.
"المنقذ لا يُنقذ، بل يُبقي الآخرين عالقين في دور الضحية… كي يظل هو بطل القصة."
— ستيفن كاربمان
من تحليله لـ"مثلث الدراما" (الضحية – المنقذ – الجلاد)،
يشرح "كاربمان" أن المنقذ – رغم نواياه – لا يمنح القوة للطرف الآخر،
بل يُبقيه في حالة احتياج مستمر،
مما يجعله يختبر "قيمة ذاته" من خلال الإنقاذ فقط.
وبذلك نفهم أن "المنقذ" أحيانًا لا يُنقِذ بصدق،
بل يحاول إنقاذ نفسه بالتلاعب النفسي،
وفرض سطوته على الطرف الآخر،
وإبقائه في دور الضحية… ليبدو هو البطل النبيل.
التحليل الاجتماعي: تصفيقٌ للدور الخاطئ
يصفّق المجتمع لهذا النمط الخادع:
"إنها فتاة أصيلة، وقفت إلى جواره في أصعب الظروف."
"تحمّلت قسوته لأنه كان يمر بمرحلة صعبة."
"أنقذته من نفسه، وغيّرت حياته."
لكن قلّما يتوقف أحد ليسأل:
من الذي أنقذها هي؟
من احتواها حين أرهقها الدور؟
من منحها الأمان، إن كانت هي منبع الأمان للجميع؟
وللأسف، لن يُنقذها أحد من هذا الدور المرهق الذي اختارته لنفسها،
إلا إذا أرادت هي أن تصرخ، وتنتفض، وتحتوي نفسها،
وتوفّر المساحة الآمنة لروحها، وتستعيد اتزانها من جديد.
الخسائر الصامتة لعقدة المنقذ
الذي يُحاول إنقاذ الجميع، ينسى نفسه في الطريق.
يضيع في علاقاتٍ غير متوازنة،
ويخلط بين الحب، والرغبة في إثبات الجدارة.
وبعد كل العطاء،
قد يُفاجأ بأن الآخر غادر بمجرد أن تحسّنت حالته.
فالمؤلم ليس فقط ألا يُقدَّر ما منحت،
بل أن تكتشف أنك لم تُحَب... بل استُخدِمت.
وذلك يكون السقوط المُدوّي للمنقذ.
وهنا يبرز السؤال الحقيقي:
هل أُحب... أم أُحاول أن أستحق؟
هل أُحب هذا الشخص كما هو؟
أم أُحب فكرة "أنني وحدي القادر على تغييره"؟
هل أراه بعيونه؟ أم بعينيّ أنا، وقد امتلأتا بالوهم؟
أحيانًا لا يكون الحب هو الدافع،
بل محاولة خفية للحصول على اعتراف بالجدارة،
رغبة في أن يقول لك الآخر:
"لقد جعلتني أفضل… إذًا، أنت تستحق أن أبقى."
وفي الختام…
الحب الحقيقي لا يُولَد من دور البطولة.
ولا ينبغي لك أن تتقمّص دور المنقذ، فقط لتنال القبول.
أنتَ تستحق أن تُحب،
حتى وإن لم تُنقذ أحدًا.
حتى وإن لم تُرمم شروخ الآخرين.
أنت كافٍ… كما أنت.
#مناطق_شائكة