أخر الاخبار

"حرية مستوردة وهوية منسية"


 "أين عقلي؟".. عندما نصطدم بالهوية في زحمة التغريب


بقلم: جيهان سرور 


في زمن تسوده السرعة، وتتساقط الحدود بين الثقافات، باتت الهويات المحلية في مواجهة مباشرة مع أنماط حياة وفكر مستوردة. لم يعد التغريب مجرد رحلة دراسية أو إقامة في الخارج، بل أصبح حالة ذهنية تغزو العقول من خلف الشاشات، وتعيد تشكيل الأحلام والتطلعات. وفي هذا السياق، يُعاد طرح السؤال الكبير الذي حمله فيلم "أين عقلي؟" الصادر عام 1974: هل يمكن للإنسان أن يتبنى ثقافة مغايرة دون أن يدفع ثمنًا من استقراره النفسي والاجتماعي؟


الفيلم، الذي يبدو في ظاهره قصة درامية عن زواج متعثر، هو في حقيقته مرآة لأزمة أكبر: صراع الإنسان الشرقي بين ما تربى عليه من عادات وتقاليد، وبين ما يظنه طريقًا للتحرر الفكري والحياتي.

الدكتور توفيق، بطل الفيلم، ليس سوى نموذج لإنسان حاول ارتداء قناع الثقافة الغربية بعد عودته من أوروبا، ليجد نفسه عاجزًا عن تقبّل اختلاف زوجته عن معايير نشأته، رغم تبنيه المعلن لأفكار أكثر تحررًا.


لكن هذا الصراع لا ينحصر في من عادوا من الغرب، بل صار واقعًا يعيشه كثيرون لم يغادروا أوطانهم يومًا.

جيل جديد بأكمله يتغذى على مفاهيم الحداثة الرقمية، يحلم بحرية مطلقة ويطمح في تغيير جذري لمنظومة القيم.

لكن، ما يُغفل غالبًا، أن القيم ليست سلعة تُستبدل، بل نسيج ثقافي متكامل نشأ عن تاريخ طويل وظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية معقدة.


إن لكل مجتمع خصوصيته، ولكل بيئة نسقها القيمي الذي تطور بمرور الزمن. قد تكون هناك تقاليد بحاجة إلى إعادة نظر، أو ممارسات لا تتماشى مع متغيرات العصر، لكن الحل لا يكون أبدًا في القطيعة التامة مع الأصل، بل في فهم الذات الثقافية ومحاولة تطويرها من الداخل لا استبدالها من الخارج.


من هنا، يصبح التحدي الحقيقي ليس في تقليد الآخر، بل في تحقيق توازن صادق بين الانفتاح والعراقة، بين الطموح في التغيير، والحفاظ على هوية لا تذوب في هواء العالم المفتوح.


"أين عقلي؟" ليس فقط عنوان فيلم، بل هو سؤال وجودي يستحق أن يُطرح كلما حاولنا أن نعيش بقيم لا تشبه واقعنا، أو نُجبر بيئتنا أن تمشي على إيقاع لا تنتمي إليه.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-