فضفضة
كتبت: جيهان سرور
لسنواتٍ خلت، تردَّد في الأسماع كلامٌ موجع، وفي القلوب أثرٌ مرير.
حديثٌ عن تغيُّرٍ شمل أرض الحرمين، وعن انفتاحٍ أضاع معالم الدين، وعن بلدٍ ضجّ بالفُجور حتى غابت فيه ملامح الطهر والستر.
وكم من مرة سألت نفسي:
هل سأُدرك الحجّ قبل أن يُغتال؟ وهل سأطأ بيت الله قبل أن تُطمس ملامحه؟ أم كُتب لي أن أراه مختلفًا عمّا حكاه لي أهلي؟
بلغ بي الخوف حدّ أنني تهيّبت الرحلة، وترددت في شوقي، خشية أن يُكسر قلبي إذا ما رأيت ما لا يُحتمل.
لكن شاء الله، ودعاني، ولبّيت النداء.
دخلتُ مكة، وأنا أرتجف بين الرجاء والرهبة، فإذا بي أُبصر ما يُطمئن القلب ويحيي اليقين.
السعوديات من حولي، من العاملات إلى المدنيات، كلّهن منقبات، بلا استثناء.
فأين ما قيل عن السفور؟ أين العُري والخمر والرقص؟
أين مظاهر الفُجور التي كانوا يزعمون أنها اجتاحت الأرض؟
لم أجد لها أثرًا.
قلتُ: ربما لأنني في مكّة، في محيط البيت الحرام، حيث للسكينة شأن آخر.
ثم سافرتُ إلى المدينة، وزارتني الطمأنينة مرةً أخرى.
في المسجد النبوي، في المولات، في الطرقات البعيدة... المشهد نفسه:
حياءٌ وسكينة، وستْرٌ يكسو الوجوه والقلوب.
صحيحٌ أن النقاب ليس فرضًا، لكنه في أرضٍ كهذه، دليلٌ على الثبات، وشاهدٌ على وفاءٍ لعهدٍ قديم من الطُهر.
ثم دار في خاطري ما يُقال عن كُره السعوديين للمصريين، عن الإهانة والازدراء.
لكن كل سعوديٍّ قابلته قال لي بصدقٍ لا يُشترى:
"يا هلا بأهل مصر... يا هلا بأم الدنيا."
هكذا قالوها، بلهجةٍ تفيض حبًا، وبقلوبٍ مفتوحة.
حتى من لقيتُهم من الإخوة الإماراتيين، لم يكن لحديثهم عن مصر إلا المودة والاحترام، وكأنّ مصر لم تكن يومًا دولة، بل أمًّا بالفعل.
فعدتُ إلى سؤالي الأول:
لمصلحة من تُبثّ هذه الفرقة؟ من المستفيد من تشويه العلاقة بين شعوبٍ يجمعها الدين والنسب والتاريخ؟
الذي رأيته بعيني، وتذوّقته روحي، يقول:
السعودية ما زالت بخير، والدين لم يُرفع، والستر باقٍ، والحبّ بيننا أعمق من أن تهزّه إشاعة أو تفرّقه فتنة.
فلا تُصدّقوا كلّ ما يُقال...
اذهبوا وشاهدوا، واسألوا قلوبكم بعد الرؤية، فإن القلب لا يكذب إذا أبصر الحق.