أشتاق إلى مكة
كتبت: جيهان سرور
كنتُ كلما قابلت أحدًا عائدًا من العمرة أو الحج، أراه منهك الجسد، لكنه مغمورٌ بسكينةٍ عجيبة، يتمنى العودة كأن شيئًا من روحه قد تُرك هناك.
وكنت أتعجّب…!
رغم التعب، ورغم أن الفريضة أُدّيت، لماذا هذا الحنين؟
كانوا يقولون: "هناك نستريح، نهدأ، ننسى الدنيا ونرتاح حقًا"…
فأبتسم بدهشةٍ في قلبي.
الصلاة وقراءة القرآن وطمأنينة الذكر، أليست متاحة هنا؟
إذن لماذا هذا التعلّق، وهذا الشوق الذي لا يفتر؟
لكني حين ذهبت… فهمت.
فهمت الشعور الذي لم يستطيعوا أن يشرحوه، ولم أستطع أنا أن أُصدّقه حتى عشته.
منذ الصغر ونحن نتعلم الإسلام… نردد أن "الدين معاملة"،
نتربّى على التسامح، والتعاون، وحب الخير،
لكن الحياة تُلهينا، تسرق منّا هذه المعاني، وتُلبسنا ثِقلها.
وهناك… في مكة، في رحاب الحرم، كأن الأرض تُذكّرك بنفسك،
كأنك تعود لما تعلمته أول مرة عن هذا الدين…
فتجد من يُساعد، من يُسامح، من يُفسح لك الطريق، من يتعامل وكأن وصايا النبي نُقشت على قلبه.
الجميع حريص على الأدب، على اللين، على الطمأنينة.
بل الأعجب… أنك لا تجد في الحرم رغبة، ولا طمعًا، ولا حرصًا على شيء من الدنيا.
كل شيء مبذول… ماء زمزم لمن أراد، دعاءٌ لمن مرّ، وقلوب مفتوحة كما لم تعهدها من قبل.
لا معاملات مادية، لا مصالح، لا تنافس… فقط روح الإسلام، كما يجب أن تُعاش.
هناك نعيش الإسلام… لا نُدرّسه، ولا نحفظه، بل نشعر به… ونذوق جماله.
من يعود يتمنى أن يُغسل من دنَس الدنيا مرة أخرى،
أن يعيش لحظة أخرى من تلك الحياة النقيّة، الخفيفة،
حياة تُشبه ما أراده الله لنا، قبل أن تثقلنا الشهوات.
ولهذا، أقولها من قلبي:
أشتاق إلى مكة.
أشتاق أن أعود لأصلي هناك، أن أقرأ القرآن هناك…
لأنني عرفت — أخيرًا — ما تعنيه "الحياة في رحاب الله".